الكويتيون يملكون وعياً سياسياً سابقاً لمعظم دول المنطقة، وديوانياتهم مجالس أمة متحركة ومتنقلة، وهموم الوطن الصغير كثيرة ومتشعبة، فلماذا تقتصر الأخبار الصحفية، غالباً، على أحاديث وتصريحات أعضاء مجلس الأمة؟
للأعضاء المختارين من الشعب الكويتي في انتخابات حرة كل التقدير والاحترام، لكن هذا لا يمنع توسعة رقعة الوعي السياسي والأحاديث التي لا تجري بالضرورة تحت قبة البرلمان، فالمشاركة الشعبية تعطي للأخبار مذاقا خاصة ومختلفاً.
السلطة التشريعية تسأل الحكومة فيما يدور بخلد أبناء الشعب، لكن هذا لا يمنع الصوت الشعبي الذي يعبر أحيانا بعفوية وتلقائية عن قضايا أعمق وأكبر وأشمل.
السلطة التشريعية ليست مكونة من طوائف ملائكية، فهناك تشابكات خفية ومصالح جانبية تتسلل إلى عقول تحت قبة الحرم الديمقراطي، فتخسر الكويت جيراناً، ويعلو صوت طائفي، وتشتعل حنجرة ترى الوطن الصغير في شخص أو مذهب أو تأثير قادم من مكان غير بعيد عن تراب الوطن.
إن حصر أخبار الكويت في بضعة عشرات من ممثلي الأمة ظلم شديد للمجتمع، وتقصير أشد من الصحافة ووسائل الإعلام، وكان يمكن تفهم هذا التقصير لو كان في الصين الشعبية أو روسيا أو أمريكا، أما إشراك الكويتييـن بكافة مشاربهم وآرائهم فقد يزيد حوارات المجتمع ثراءً، بغير انتقاص من حصانة العضوية البرلمانية.
عضو مجلس الأمة صوت ينبغي أن لا يكون في البرية يضيع صداه بين الوديان، وحصانته احترام وهيبة للسلطة التشريعية، لكن الصوت الشعبي أيضا ثري ومليء بالأفكار والاقتراحات والآراء التي قد لا تصل إلى البرلمان فلا تسمعها الحكومة.
مهمة ليست ثقيلة نلقيها على مسامع السلطة الخامسة التي تعرف أن كثيراً من الديوانيات تتصارح فيها وتتجاذب وتتناقض كل الآراء الصالحة للمساهمة في تطور نهضة الكويت.
الجمعيات الثقافية والأدبية والفكرية ومراكز البحوث العلمية والتخطيطية والاستراتيجية كثيرة في الكويت، وبإمكانها أن تمد الديرة بأضعاف ما يعرف أعضاء مجلس الأمة، ولنا عبرة في التاريخ الحديث، حينما عرض سمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، تغمده الله بواسع رحمته، وهو أمير البلاد الملتفة حوله الأمة بعد تحقيق وعد التحرير، وطلب من مجلس الأمة تشريعاً يسمح بمشاركة المرأة في الحقوق السياسية، وتم رفض الطلب( في المرة الأولى )، وكاد حزن أمير القلوب يمزق القلوب، رغم الدور البطولي للمرأة الكويتية كخط دفاع في المقدمة ضد مغول صدام حسين وأشاوس قسوة المحتل الغازي.
تمنياتي تلك من الصحافة الكويتية ووسائل الإعلام لا تنتقص قيد شعرة من دور أعضاء مجلس الأمة الأمناء على قضايا الوطن، لكن آلاف الكفاءات الفكرية والعلمية والثقافية والقانونية والتشريعية والسياسية والاجتماعية وغيرها يجب أن تصبح جناحاً آخر لصوت الشعب، لا يحمل حصانة برلمانية لكنه يُـثري المجتمع، وهذا لن يحدث قبل أن ترفع وسائل الإعلام والصحافة اليومية من شأن حوارات الشارع والديوانيات والمؤتمرات والندوات.
على الكويت كلها أن تصبح برلماناً مسموعاً صوته في أروقة الصحف الكويتية، لكن يظل مجلس الأمة حاضراً وممثلا شرعياً للشعب في الحرم الديمقراطي المنتخــَـب.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 16 مارس 2016