تعاظم الدور الكويتي!
الكويت دولة صغيرة في مساحتها، كبيرة في دورها الذي وضعته لنفسها والتزمت به منذ الاستقلال.
ليست هذه المرة الأولى التي تقوم فيها بدور مكوك المصالحة فأغلب الدول العربية عرفت الكويت من مبادراتها الصلحية، فبصمات آل الصباح الكرام واضحة على إنهاء الانقسامات والحروب الصغيرة والنزاعات الحدودية في الخليج و شمال أفريقيا وفي الغضب الأردني على الفلسطينيين، وفي صراع الأشقاء بلبنان وغيرها.
في منتصف الثمانينيات سارع الوسطاء لحل اللغز اللبناني، فلبنان كان أصغر من السبع عشرة طائفة التي ترسمه على خريطة سويسرا الشرق، لكن كان هناك دبلوماسي كويتي إذا وضع إصبعه على جرح ينزف بين جارين أو شقيقين وبينهما حدود؛ عرف الجرحُ طريقه للشفاء بعد وقت قصير.
كان الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حاضرا بثقة الدبلوماسي وقدرته على تحقيق الوئام بين أخصم المتصارعين.
قدرُ الكويت أنها وجدت لتصالح لا لتحارب، لتسالم لا لتعتدي، وكانت المرة الوحيدة التي اضطرت لتغيير جلد الحمل هي خلال السبعة أشهر الجحيمية خلال الغزو العراقي الآثم لأرضها، فلما تحررت عادت إلى طبيعتها الهادئة في منطقة ساخنة إذا التهب جزء منها تداعت له المنطقة الدافئة بالتوجس والخوف.
وكانت الكويت في الأردن عندما غضب الحسين بن طلال على الفلسطينيين فظهرت أنياب هاشمية فاجأت العالم العربي كله، فلعب الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح دورا بطوليا في وساطة داخل حقل ألغام مليء بالمجانين.
ونجح الشيخ سعد العبد الله، رحمه الله، وتمكن من تهريب أبي عمار وصحبه من غضبة الحسين وكانت المرة الثانية التي يساعد فيها الكويتيون الفلسطينيين بعد ظهور الكفاح المسلح في منتصف الستينيات، وبعد عشرين عاما كان أبو عمار يصرح لصحيفة مغربية برغبته في انتخابات كويتية تحت الاحتلال العراقي، وهتف: مرحىَ للحرب
ومنذ الاستقلال كانت الكويت تعرض وساطتها على أي خلاف عربي ، لذا ليس غريبا أن يتقدم أمير دولة الكويت بعرضه أن يحل النزاع القائم في البيت الخليجي بين دولة قطر ودول الحصار الأربع.
موقف المملكة العربية السعودية يستحق كل تقدير فهي ترىَ الكويت الصغيرة كبيرة بحجم خلافات الأشقاء، ووافقت دول الحصار بدون استثناء على الوساطة الكويتية.
لا يتحدث كثيرون عن قدرة أمير الكويت، أطال الله عُمره، في تحمل سفريات مكوكية لا يقدر عليها الشباب، وابتسامة مريحة اشتهر بها صانع الدبلوماسية الكويتية.
تشرفت باستقبال سمو الشيخ صباح لي مرتين: الأولى عندما قدّمني إلى سموه الأستاذ سليمان ماجد الشاهين وزير الدولة للشؤون الخاجية في مكتبه بالوزارة، وشكرني أنْ أهديت سموه أربعة كتب من مؤلفاتي.
ومرة ثانية عندما كنت أجلس مع الشيخ أحمد الفهد الأحمد وزير الإعلام في استراحة مجلس الأمة، لكنني عرفت خطابات سموه وزيراً للخارجية عندما كنت أتلقاها وأنا أعمل بالمدينة الجامعية في أوسلو، فأعيد توزيعها على الشباب والطلاب.
تنجح الوساطة الكويتية أم لا تنجح لكن الذي أنا واثق فيه بأنه لا تستطيع دولة أخرى غير الكويت أن تقوم بهذا الدور دون أن تميل إلى أحد الطرفين.
أحيانا اشفق على سمو أمير الكويت من إرهاق في الجسد والقلب، لكنه لم يبدِ أي ملل أو عتاب أو عدم قدرة على التحمل، كأن دورَه قدرُه، والوحدة الخليجية معركته الحاسمة لتماسكها بين يديه.
تحية للدور الكويتي الرائع في صناعة السلام حتى لو بدا للجميع بعيدًا .. بعيدًا.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 27 أكتوبر 2017