السبت، 27 يونيو 2015

الشيخ نواف الأحمد .. الوفاءُ مجســَّــد


الوطن ليس قطعة من الأرض فقط، لكنه مصنع للرجال وإذا قام باغٍ أو محتل أو مستعمر بمحاولة إغلاقه، فبعض الرجال قادرون على إعادة فتحه في الخارج ريثما يندحر الغزاة!

والكويت حالة على حدة، فهي تصنع رجالها وتقوم بإعادة ربط حبل السُرة بين ترابها وروح رجالها، فتقصر المسافات، وتتقلص الأزمنة، ويصبح الوطنُ حالةً من الحب الذي لا تستطيع قوة في الأرض أنْ تزحزحه عن مكانه قيد ذرة.

عندما اختار صاحب السمو الأمير وليَّ عهده، وقدَمه إلى مجلس الأمة كادت الدهشة ترتسم على وجوه كل الأعضاء، فليس هناك من يعترض أو يتردد أو يُعيد التفكير لعله يأتي بنتيجة أخرى غير الإجماع، فالشيخ نواف الأحمد في كل بيت كويتي، وفي كل شبر من أرضها، وفي كل قلب.

قال لي الدكتور عبد الرحمن العوضي في حوار جانبي بحفل في الكويت: الشيخ نواف الأحمد رجل دولة من الطراز الأول، وهو قادر علىَ تحمل مسؤوليات يعجز عن حملها أولو القوة من الرجال.

الأرض الصُلبة التي تضرب جذورها في العمق المكاني والزماني، تستطيع أيضا أن تمد جذورها إلى البحر، وتعرف عاشقها من علاقته بالبحر والصيد والأمواج وركوب الأخطار، وكلها اجتمعت في الشيخ نواف الأحمد.

كان سمو الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح، رحمه الله، قلقاً بشدة وهو على الحدود السعودية يُعد العُدة للبدء في مقاومة جحافل الغزو، كأكثر قوى المقاومة على مدار التاريخ، أي تمد مقاومتها في كل مكان ، وطلب من وزير الدفاع الشيخ نواف الأحمد أن يعيد ترتيب أولوياته مع جنوده في المقاومة من مكان أكثر أمناً، لكن الشيخ نواف الأحمد انتظر مع جنوده حتى اللحظة الفاصلة بين قبضة العدو و.. بين اختيار مكان آخر يعجــّــل في عودته إلى الوطن المحرر.

قادر على تكييف كفاءاته وإمكانياته وقدراته في أي منصب يتولاه، وكان يردد دائماً وبتواضع شديد بأن مكانه حيث يأمر صاحب السمو الأمير.

وظن الأعداء أن الديرة أضعف من أن تتصدى للارهاب، فعاد الأمن إليها عندما تولىَ وزارة الداخلية في أحلك أوقات التربص الخارجي بالكويت.

تولى وزارة الدفاع حيث سنَّ جيران الشمال أنيابهم بأوامر من طاغيتهم، ولم يــَــخـَـف، ولم يتردد في حشد الأقل لمواجهة الأكبر، وسربوا شائعة اصابته الخطيرة ليفتوا في عضد جنوده، لكن روحه، وهو حيّ أطال الله عمره، كانت قد سرت في صدور جنوده، فقاوموا بها، حتى تأكدوا أن قائدهم معهم جسداً وروحاً.

كان وزيرا للشؤون الاجتماعية والعمل، وظهر جانب آخر لم يكن يعرفه أكثر الناس، أي التناغم والانسجام بين الحسم في شدته، والرحمة في عمقها، فكان الملاذ والملجأ لكل من بحث عن العدل في المساعدة والدعم المالي والتعاطف الأسري، وكان الكويتيون وغير الكويتيين على قدم المساواة حتى أنه أمر بأن تلحق الأسرة بربها الوافد وإمام المسجد المقيم في الكويت.

كان نائبا لرئيس الحرس الوطني، وكأن العسكرية بيته الثاني فقضى سنوات أثرى فيها هذا الجهاز بالقوة والسلاح والتدريب وأدخل مناهج علمية وأرسل شبابا لتلقي أحدث طرق التعامل مع البرمجة والحاسوب.

ظل، رعاه الله، متسامحاً معي في كل الأمور التي أبلغت سموه انتقادي، محبة في الكويت، وعندما استقبلني في مكتبه بوزارة الداخلية ولم أقم باختيار كلماتي بعناية، وقلت لسموه بأن ركاب الطائرة البريطانية القادمة من لندن صدموا لسلحفاتية مكتب التأشيرات، وتأخر فتحه، وأن الركاب تهامسوا عن وزارة الداخلية. ارتسمت فورا علائم الغضب على وجهه الكريم، ووعدني أنني سأرى في مطار الكويت في زيارتي القادمة شيئاً يدخل السرور، ويحسّن صورة الكويت. وفعلا أوفىَ بوعده.

لم يسع إلى منصب، ولم يفرح بالصعود الوظيفي، فكان يتلقى توجيهات صاحب السمو كجندي في اليوم الأول لمعسكر تدريب، حتى عندما أصبح الرجل الثاني في الكويت لم تظهر على يومياته أي تغييرات كبيرة، فهو هاديء الطبع، يعشق البيت وأولاده، وظيفته زوج مثالي ووالد يُربــي ويعلّم وينصح ويسمع ويقدس الحياة الأسرية حتى على مائدة الطعام العائلية التي ليس فيها من يشغله آي فون أو موبايل أو رسائل جانبية، فهذا وقت الأب والأم.

عندما يشرع في الإجابة على سؤال فإنه ينصت للنهاية، ويفكر، ويمنح محدثه حقه في بشاشة الوجه ليضفي روح الاطمئنان.

كل المسؤولين الكبار في العالم أجمع يستريحون من وعثاء العمل المستمر والاجهاد بالسفر والتريح والاسترخاء في أحضان الطبيعة، أما سمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد فراحته في الكويت، وسفره البعيد بين برها وبحرها، بين صحرائها و.. بيته الدافيء.

يشتاق للكويت فور وصوله إلى المطار مغادراً، وفور انتهاء مهام العمل في الخارج يختصر ما بقي من أيام إلى ساعات، ثم إلى دقائق كأن الكويت لا تستطيع صبراً، والحقيقة أن سموه هو الذي لا يستطيع بُعداً.

يحب الموسيقى، فمن لا نغم في ذكرياته لا يمكن أن يجدد يومه. يستمع إلى أولاده مهما كانت شكاواهم، ويتفهم منطقهم، ويخفي حسم المنصب خلف حب الأب، فالأولوية للأبوة.

مضت ثلاثون عاما على معرفتي بسمو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، ورأيت في سموه كل الصفات الجميلة والنبيلة وفي مقدمتها الحياء والوفاء والشرف والشجاعة والوطنية.

لم تخرج من بين شفتي في ثلاثة عقود كلمة أسرّ لي بها في لقاء خاص، وغضب مني مرة واحدة ( ابريل 2008 )، لكن معادن الرجال تعيد تلميع الغضب وإزالة ما علق به من عتاب، ليتحول إلى تسامح عجيب كأن الحادث أزيل من الزمن نهائياً.

كانت أسعد لحظة في علاقتي الجميلة عندما جاءني صوته الدافيء في مكالمة هاتفية، فبراير 2006، كأن الديرة حملتها لي في أوسلو وقد عرف أنني أريد تهنئة سموه بثقة صاحب السمو ومجلس الأمة ولياً للعهد.


وحفظ الله الكويت من أي مكروه.


الجمعة، 26 يونيو 2015

لماذا آل الصباح صمام الأمان؟


بعد دقائق قليلة من حدوث الانفجار الآثم في مسجد الإمام الصادق، كان رمز الدولة، سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، يتفقد موقع الحادث الارهابي، ليؤكد للكويتيين والمقيمين على أرضها أن آل الصباح متيقظون للخطر، وأن الالتحام حالة قدرية منذ أن تولت هذه الأسرة الكريمة حُكم الكويت لأكثر من مئتين وخمسين عاماً.
الشعب الكويتي في الأزمات الخطيرة وفي المنعطفات التاريخية يعرف قبلته، ويدرك تماما أن الانحياز إلى آل الصباح هو تجديد الاستقلال واعطاء رسالة إلى قوى الكراهية الطائفية أن الكويت لا تتجزأ ولا ينفرط عقدها تحت أي ظرف.
هكذا كانت أيضا اختيارات الكويتين في منتصف أكتوبر 1990 خلال مؤتمر جدة، فانحازوا جميعاً إلى آل الصباح الكرام، وتحررت الكويت بعد المؤتمر بعدة أشهر.
وكذلك كان موقف الكويتيين إبان حادث موكب سمو الأمير، رحمه الله، في منتصف الثمانينيات، فكان الالتحام قبلة على جبين الوطن، وقسما بحمايته.
نعم، الخطر يحيق بالديرة من كل مكان، والفكر المتطرف يسعى للوصول لموقع قدم فيها، وداعش واليمن كجماعات التشدد التي تقضم من المنطقة كل يوم قطعة أرض، وترفع أعلامها السوداء فوق القلوب قبل الساحات والمدن.
ثقتي كبيرة بصاحب السمو الأمير وسمو ولي العهد الشيخحمد الجابر الصباح وسمو رئيس الوزراء الشخ جابر المبارك الحمد الصباح، وأنا أرى أن من لا يقف مع اللكويت في الدقائف الأولى عقب الحادث الارهابي فوقوفه المتأخر كصمته تماماً أو كترجيحه قوى الشر والتعاطف معها.
في فجر الثاني من أغسطس 1990 كان المترددون كثراً، والمنتظرون أكثر، والصامتون أضعافاً مضاعفة، لكن الكويت كان الأكبر في التشبث بشرعية آل الصباح، وبجذور شعبها الضاربة في عمق وطن من أقدم أوطان المنطقة.
من لا يقف مع الكويت الآن فليس للكويتيين حاجة في تعاطفه معهم لاحقاً.
من يتحدث عن المذهب الآخر وشره المستطير ووجوب محاربته كمن يشعل آبار النفط مرة أخرى.
أيها الكويتيون،
توقفوا عن النقاشات المذهبية والطائفية والدينية، وانتبهوا للأخطار القادمة من كل صوب وحدب.
أمانكم في وحدتكم، واستقلالكم مع آل الصباح امتداد لنشأة هذا البلد الطيب.
حفظ الله الكويت وشعبها وشرعيتها وآل الصباح الكرام.



الأربعاء، 8 أبريل 2015

لماذا الكويت؟


لقد مرت ثلاثون سنة على زيارتي الأولى لدولة الكويت، وفي خلال العقود الثلاثة تلك أصبح الشأن الكويتي واحداً من همومي واهتماماتي، وتكونت صداقات، وأثمرت علاقات أدبية وفكرية وثقافية وأخوية.

أعترف بأنني وجدت في الكويتيين صفات حميدة كثيرة، وكانت تجاربي كلها ايجابية باستثناء حادث واحد في ابريل 2008 حينما تكالب الوشاة، واحتج على وجودي في الكويت أربعة سفراء عرب زعموا أنني أشن حملة على زعمائهم خلال زيارتي للديرة، وكانت الضغوطات شديدة على المضيفين الكرام، وشاء العلي القدير أن يأتي اليوم الذي يسقط فيه زعيمان من الأربعة، والثالث على مرمى حجر من السقوط.

الغريب أن أحد السفراء الذي احتج على وجودي ضيفا على دولة هو أيضا ضيف عليها، أصبح منبوذا، ويطالب الكويتيون بطرده، فزعيمه طاغية من الطراز الأول.

في الكويت وسلطنة عُمان أشعر بألفة شديدة، وبأمان لا مثيل له، ويغمرني أهل البلد، مضيفون وغير مضيفين بمودة كأنني بين الأهل والأحباب.

كتبت عن الكويت منذ صدور العدد الأول من ( طائر الشمال) في يونيو 1984، ووقفت مع أهل البلد في السراء والضراء، وكانت تجربة الاحتلال العراقي المحك الرئيس الذي فتح لي قلوب الكويتيين، خاصة أنني كنت الصحفي العربي الوحيد الذي طالب في قلب بغداد بحدود كويتية آمنة معترف بها من العراق، في وقت كانت الإشارة خفية إلى هذا الموضوع على مسمع من صدام حسين تعني العد التنازلي لقائله، حتى لو عاد إلى بلده.

توقفت عن الخوض في هموم الكويت لمدة عامين فقط إثر الأزمة التي حدثت في ابريل 2008 عندما مارست حقي الطبيعي كإعلامي وصحفي في توزيع مؤلفاتي، هدية مجانية، لتسعين من الإعلاميين الضيوف، وبطريقة متحضرة ولائقة وذلك بوضعها في غرفهم بالفندق.

لكن الدنيا انقلبت عاليها سافلها، واتصل الصحفيون بسفراء بلادهم زاعمين أنني أقوم بحملة ضد أسياد القصر ، الذين سقط منهم اثنان، ففي عالمنا العربي يظن الإعلامي أن زعيم بلده يتجسس عليه في فراشه، ويتسلل إلى أحلامه.

لم أكن على استعداد للكتابة وجرحي ما يزال غائرا، وهدأت العاصفة، واكتشف الكويتيون أنني كنت الأقرب إليهم من كل السفراء والإعلاميين الذين يزعمون أنهم حماة مصالح الكويت في بلاط الطغاة والمستبدين في الدول( الشقيقة)، وعادت الأمور إلى طبيعتها، فصداقة لنصف عمري لا يمكن أن تتعرض بسهولة لعاصفة إلا أن تكون في فنجان حتى لو اجتمع كل الوشاة على كلمة موحدة يصبونها في أذن مضيفي.

وكبرت الكويت مرة أخرى في عيني، واكتشفت معادن من ذهب لرجال وقفوا معي في حضوري وغيابي، كما كانت هناك قلة حائرة لا تعرف إن كنت أصبحت من المغضوب عليهم، أم أن الرباط الدافيء لا يزال متينا ومعقودا بين شغاف القلب فلا ينفك إلا بأمر الله.

هذه المدونة لبسط حقائق الهم الكويتي كما أراها، وطرح رؤيتي، والخوض في أمور وشجون ومواجع وأفراح وأحزان لعلها تساهم، ولو بقدر ضئيل في إزالة اللبس والغموض وسوء الفهم الذي كان لسنوات طويلة سمة مميزة تغطي على وضوح الصورة الحقيقية للكويت.

آمل أيضا أن تساهم كتاباتي مع المهتمين بالشأن الكويتي في تذليل العقبات، والتعريف بالثغرات، ووضع اقتراحات، وتوجيه نصائح أخوية، خاصة أن المسؤولين الكويتيين لا تأخذهم العزة إن جاءت نصيحة من خارج الوطن الصغير، وقد تم الأخذ برأيي عدة مرات في أمور مغرقة في المحلية والخصوصية، فزاد احترامي وتقديري للكويت والكويتيين.

وعلى الله قصد السبيل.

محمد عبد المجيد

رئيس تحرير مجلة طائر الشمال

عضو اتحاد الصحفيين الكويتيين

أوسلو النرويج

Taeralshmal@gmail.com