الثلاثاء، 2 أغسطس 2016

آل الصباح صمام الأمان

القرار الفردي ليس بالضرورة أقل فعالية وقيمة وقدرة من القرار الجمعي، فقد يمر بالوطن زمن يحتاج فيه إلى قوة الفرد وليس إلى قوة الجماعة، فالجماهير تخطيء أخطاءً فادحة إذا غيرت مسارها فانتهجت طريقاً أوحي إليها أنه طريق النجاة أو المقدس أو كالذي يستنشق رحيق الأسلاف فيسد أنفه عن عبير الحاضر، ولا يكترث للمستقبل.


بيني وبين الكويت علاقة دافئة تمتد لنصف عُمري، وأحزن إذا أصابها هَمٌّ، وأتأسف لأوجاعها، وأغضب إذا مسّها أحد بسوء.
وكنت دائماً أكتب بصراحة عن أفكاري، وأكشف عن عتابي، وأقدم اقتراحاتي، فيتقبلها صانعو القرار بصدر رحب، وفي الوقت عينه أرى العقل الجمعي يلجأ إلى قيود الماضي العتيق بحجة القداسة أو الفتاوى أو آراء أئمة الدين.
مهما كانت قوة الأمير أو الملك أو الزعيم أو السلطان فإنها تضعف بمجرد أن يلوّح رحال الدين بغضب السماء، ويأتون من بطون التاريخ بأدلة وكتابات تؤكد أن السماء تتابع كل صغيرة وكبيرة ولا تترك للقصر فرصة القرار قبل أن يتبرك بالفتاوىَ.


لأكثر من مئتي عام وآل الصباح هم صمام الأمان للكويت وللكويتيين، يحفظون استقلالها، يدركون أهمية دواوينها، يختارون أفضل من فيها لدفع حركة النهضة إلى الأمام فترعرت في الكويت الحركات الأدبية والجمعيات العلمية ومعاهد البحوث ودور النشر والإعلام وتنفس الكتاب كويتياً.
لكن ظل التلويح السلفي الذي يملك حصانة الفتوى يُشغل الدولة بصغائر الأمور، ويضع الإسلام بين قوسين من التشدد والتطرف، وبدأ الأمر كأنهم يحاربون سلطة خارجة عن دين الدولة رغم أن التزام آل الصباح بالدين هو في أغلب الأحيان أشد وأكثر التزاماً من الدعاة أنفسهم.


فلنكن صرحاء!
لماذا سبقت دولة الإمارات وسلطنة عُمان الشقيقة الكويت التي تملك كل مقومات الدولة العصرية، وصنعت دستورها في صورة متقدمة، ومارست الحرية، وكانت الرئة التي تتنفس منها دول مجلس التعاون الخليجي؟
كيف تناضل المرأة الكويتية قبل شقيقاتها في المنطقة بأسرها، وتتولى أعلى المناصب، وتربي أجيالا في الجامعات والمعاهد، ثم يطل علينا العام السادس عشر في القرن الواحد والعشرين ويناقش ممثلو الشعب قضية الاختلاط، أي إبعاد شبهة اقتراب وزيرة من زميلها لئلا تلتهب القاعة؟
السبب الحقيقي أن القرار الأعلى في سلطنة عُمان ودولة الإمارات لا يعلو عليه، ولا نقاش فيه، وأن مجالس الشورى والنصح والإرشاد والتخطيط والتشريع في الدولتين لا تهدد بالمقدس، ولا يمكن أن لداعية إماراتي تحريم السياحة، ولا لداعية عُماني رفض أمر للسلطان قابوس بالمساواة الكاملة بين الجنسين.
في الإمارات يتم تعيين وزيرة في الثانية والعشرين من عُمرها، وفي الكويت تصرخ القوى الدينية مطالبة بأولوية الذكور على الإناث.
في الكويت تتركز السلطات في مجلس الأمة رغم أن السلطة التنفيذية الممثلة في آل الصباح الكرام هي التي يلتف حولها الشعب، وهي التي تقود حركة النهضة وتحافظ على الدستور وبدونها فإن الحركات الطائفية والمذهبية ستربك كل الحسابات، وتفتح الباب لقوى خارجية في لبننة هذا البلد الصغير.


إن محاولات سحب البساط من تحت أقدام صناع الاستقلال والدستور والتحرير ليس في مصلحة أحد، وسيأتي الوقت الذي تكون فيه الكويت في مؤخرة ركب دول مجلس التعاون الخليجي، فالإمارات يدور فيها حوار السعادة، وسلطنة عُمان لا  تتباطأ فيها النهضة وفقا لأسعار النفط.
لا أدعو لأي صورة من صور الاستبداد، معاذ الله، لكنني أضع علامات تعجب واستفهام تنضوي تحت الإجابة الوحيدة التي نعرفها جميعا: لماذا تــَــقدَّم الجيران ، وتأخرت الكويت وهي التي يحكمها عشاق الحرية والثقافة والوطن من آل الصباح الكرام؟


السلطة التشريعية ليست هي مجلس الأمة فقط، إنما الكويت كلها فلا تنتقصوا، أيها الكويتيون، من قدر السلطة التنفيذية.
لابد أن يكون هناك مؤتمر كويتي داخلي يجمع المثقفين والسياسيين والخبراء والوزراء لمناقشة موضوع تدخل الناطقين باسم السماء للسيطرة على مسيرة أبناء الوطن، ومعرفة الأسباب التي جعلت دولة الإمارات وسلطنة عُمان في المقدمة!
إذا لم تسابق الكويت الريح فسيسبقها جيرانها بسنوات ضوئية!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 20 مارس 2016



   


ذكرىَ الثاني من أغسطس .. يوم الغدر!


كان صدام حسين حالة من الغلظة المعجونة بانتفاخ ذاتي جعله يصنع نفسه كطاغية في الوقت الذي صنعه آخرون كقائد للعرب فوق رؤوسهم.
كان يظن نفسه أكثر تحضرا ووطنية وفروسية وفكرا من كل جيرانه، فحمل كراهية للخوميني ولحافظ الأسد ولآل الصباح ولحكام الخليج ولهواري بومدين ولآل سعود وغيرهم ولم يبق له إلا جوقة المدّاحين والخائفين والوصوليين.
ثمان سنوات من الحرب المجنونة مع حراس الثورة الإيرانية، وبعد أقل من عامين جاء نائبه، عزة إبراهيم، يصافح الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح، رحمه الله، في جدة للاتفاق على حدود آمنة ومطمئنة.
لكن عزة إبراهيم كان مبعوث الغدر، وقبيل فجر الثاني من أغسطس عام 1990 اخترق عشرات الآلاف من أشاوس الطاغية حدود بلد عربي صغير كان ثلث سكانه هاربين من قيظ الصيف، وجيشه في حماية أوفياء الجبهة الشرقية، فإذا بالنذالة والوضاعة وتربية حزب البعث العربي الاشتراكي/فرع بغداد تظهر كبثور في جمجمة لا تعرف الرحمة، ولا تحترم العهد، فهي التي مزقت اتفاقية الجزائر قبيل الحرب مع إيران.
تحررت الكويت، في الإرادة، قبل أن يحتلها شيطان بغداد بمصفحاته ، فالكويتيون مزروعون في تربة منذ أكثر من قرنين، وتحت حماية نفس الأسرة الحاكمة.
لم يفهم صدام وأكثر عربنا؛ فقد ظنوا الكويتيين مرفهين ومنعمين ومدللين، فإذا بالمقاومة الكويتية تبدأ في صباح نفس اليوم، بشهادة السفير النرويجي لونجفا والسفير الهندي في الكويت.
حماقة الطاغية أنه استبدل بفكره أذنيه، واستمع لعشرات الملايين من شعوبنا المغلوبة على أمرها، والباحثة عن فارس ولو في معارك وهمية.
الثاني من أغسطس يوم أغبر في تاريخ العرب عندما أعطى صدام لإسرائيل مبرر احتلالها لفلسطين، وهتفت تل أبيب شاكرة للديكتاتور الأحمق شهادة توثيق احتلال عربي ليوازي احتلالاً صهيونيا.
ورغم تحرير الكويت فما يزال هناك عرب يعشقون الدم، ويتغزلون في الطغاة، ويكرهون الخليج كأن إسرائيل في شط العرب.
صدام حسين صناعتنا، وتحرير الكويت صناعة كويتية محلية خالصة لوجه الديرة.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
Oslo Norway
الثاني من أغسطس 2016

الأربعاء، 16 مارس 2016

في الكويت مئة مجلس أمة و .. واحد!

الكويتيون يملكون وعياً سياسياً سابقاً لمعظم دول المنطقة، وديوانياتهم مجالس أمة متحركة ومتنقلة، وهموم الوطن الصغير كثيرة ومتشعبة، فلماذا تقتصر الأخبار الصحفية، غالباً، على أحاديث وتصريحات أعضاء مجلس الأمة؟
للأعضاء المختارين من الشعب الكويتي في انتخابات حرة كل التقدير والاحترام، لكن هذا لا يمنع توسعة رقعة الوعي السياسي والأحاديث التي لا تجري بالضرورة تحت قبة البرلمان، فالمشاركة الشعبية تعطي للأخبار مذاقا خاصة ومختلفاً.
السلطة التشريعية تسأل الحكومة فيما يدور بخلد أبناء الشعب، لكن هذا لا يمنع الصوت الشعبي الذي يعبر أحيانا بعفوية وتلقائية عن قضايا أعمق وأكبر وأشمل.
السلطة التشريعية ليست مكونة من طوائف ملائكية، فهناك تشابكات خفية ومصالح جانبية تتسلل إلى عقول تحت قبة الحرم الديمقراطي، فتخسر الكويت جيراناً، ويعلو صوت طائفي، وتشتعل حنجرة ترى الوطن الصغير في شخص أو مذهب أو تأثير قادم من مكان غير بعيد عن تراب الوطن.
إن حصر أخبار الكويت في بضعة عشرات من ممثلي الأمة ظلم شديد للمجتمع، وتقصير أشد من الصحافة ووسائل الإعلام، وكان يمكن تفهم هذا التقصير لو كان في الصين الشعبية أو روسيا أو أمريكا، أما إشراك الكويتييـن بكافة مشاربهم وآرائهم فقد يزيد حوارات المجتمع ثراءً، بغير انتقاص من حصانة العضوية البرلمانية.
عضو مجلس الأمة صوت ينبغي أن لا يكون في البرية يضيع صداه بين الوديان، وحصانته احترام وهيبة للسلطة التشريعية، لكن الصوت الشعبي أيضا ثري ومليء بالأفكار والاقتراحات والآراء التي قد لا تصل إلى البرلمان فلا تسمعها الحكومة.
مهمة ليست ثقيلة نلقيها على مسامع السلطة الخامسة التي تعرف أن كثيراً من الديوانيات تتصارح فيها وتتجاذب وتتناقض كل الآراء الصالحة للمساهمة في تطور نهضة الكويت.
الجمعيات الثقافية والأدبية والفكرية ومراكز البحوث العلمية والتخطيطية والاستراتيجية كثيرة في الكويت، وبإمكانها أن تمد الديرة بأضعاف ما يعرف أعضاء مجلس الأمة، ولنا عبرة في التاريخ الحديث، حينما عرض سمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، تغمده الله بواسع رحمته، وهو أمير البلاد الملتفة حوله الأمة بعد تحقيق وعد التحرير، وطلب من مجلس الأمة تشريعاً يسمح بمشاركة المرأة في الحقوق السياسية، وتم رفض الطلب( في المرة الأولى )، وكاد حزن أمير القلوب يمزق القلوب، رغم الدور البطولي للمرأة الكويتية كخط دفاع في المقدمة ضد مغول صدام حسين وأشاوس قسوة المحتل الغازي.
تمنياتي تلك من الصحافة الكويتية ووسائل الإعلام لا تنتقص قيد شعرة من دور أعضاء مجلس الأمة الأمناء على قضايا الوطن، لكن آلاف الكفاءات الفكرية والعلمية والثقافية والقانونية والتشريعية والسياسية والاجتماعية وغيرها يجب أن تصبح جناحاً آخر لصوت الشعب، لا يحمل حصانة برلمانية لكنه يُـثري المجتمع، وهذا لن يحدث قبل أن ترفع وسائل الإعلام والصحافة اليومية من شأن حوارات الشارع والديوانيات والمؤتمرات والندوات.
على الكويت كلها أن تصبح برلماناً مسموعاً صوته في أروقة الصحف الكويتية، لكن يظل مجلس الأمة حاضراً وممثلا شرعياً للشعب في الحرم الديمقراطي المنتخــَـب.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 16 مارس 2016