القرار الفردي ليس بالضرورة أقل فعالية وقيمة وقدرة من القرار الجمعي، فقد يمر بالوطن زمن يحتاج فيه إلى قوة الفرد وليس إلى قوة الجماعة، فالجماهير تخطيء أخطاءً فادحة إذا غيرت مسارها فانتهجت طريقاً أوحي إليها أنه طريق النجاة أو المقدس أو كالذي يستنشق رحيق الأسلاف فيسد أنفه عن عبير الحاضر، ولا يكترث للمستقبل.
بيني وبين الكويت علاقة دافئة تمتد لنصف عُمري، وأحزن إذا أصابها هَمٌّ، وأتأسف لأوجاعها، وأغضب إذا مسّها أحد بسوء.
وكنت دائماً أكتب بصراحة عن أفكاري، وأكشف عن عتابي، وأقدم اقتراحاتي، فيتقبلها صانعو القرار بصدر رحب، وفي الوقت عينه أرى العقل الجمعي يلجأ إلى قيود الماضي العتيق بحجة القداسة أو الفتاوى أو آراء أئمة الدين.
مهما كانت قوة الأمير أو الملك أو الزعيم أو السلطان فإنها تضعف بمجرد أن يلوّح رحال الدين بغضب السماء، ويأتون من بطون التاريخ بأدلة وكتابات تؤكد أن السماء تتابع كل صغيرة وكبيرة ولا تترك للقصر فرصة القرار قبل أن يتبرك بالفتاوىَ.
لأكثر من مئتي عام وآل الصباح هم صمام الأمان للكويت وللكويتيين، يحفظون استقلالها، يدركون أهمية دواوينها، يختارون أفضل من فيها لدفع حركة النهضة إلى الأمام فترعرت في الكويت الحركات الأدبية والجمعيات العلمية ومعاهد البحوث ودور النشر والإعلام وتنفس الكتاب كويتياً.
لكن ظل التلويح السلفي الذي يملك حصانة الفتوى يُشغل الدولة بصغائر الأمور، ويضع الإسلام بين قوسين من التشدد والتطرف، وبدأ الأمر كأنهم يحاربون سلطة خارجة عن دين الدولة رغم أن التزام آل الصباح بالدين هو في أغلب الأحيان أشد وأكثر التزاماً من الدعاة أنفسهم.
فلنكن صرحاء!
لماذا سبقت دولة الإمارات وسلطنة عُمان الشقيقة الكويت التي تملك كل مقومات الدولة العصرية، وصنعت دستورها في صورة متقدمة، ومارست الحرية، وكانت الرئة التي تتنفس منها دول مجلس التعاون الخليجي؟
كيف تناضل المرأة الكويتية قبل شقيقاتها في المنطقة بأسرها، وتتولى أعلى المناصب، وتربي أجيالا في الجامعات والمعاهد، ثم يطل علينا العام السادس عشر في القرن الواحد والعشرين ويناقش ممثلو الشعب قضية الاختلاط، أي إبعاد شبهة اقتراب وزيرة من زميلها لئلا تلتهب القاعة؟
السبب الحقيقي أن القرار الأعلى في سلطنة عُمان ودولة الإمارات لا يعلو عليه، ولا نقاش فيه، وأن مجالس الشورى والنصح والإرشاد والتخطيط والتشريع في الدولتين لا تهدد بالمقدس، ولا يمكن أن لداعية إماراتي تحريم السياحة، ولا لداعية عُماني رفض أمر للسلطان قابوس بالمساواة الكاملة بين الجنسين.
في الإمارات يتم تعيين وزيرة في الثانية والعشرين من عُمرها، وفي الكويت تصرخ القوى الدينية مطالبة بأولوية الذكور على الإناث.
في الكويت تتركز السلطات في مجلس الأمة رغم أن السلطة التنفيذية الممثلة في آل الصباح الكرام هي التي يلتف حولها الشعب، وهي التي تقود حركة النهضة وتحافظ على الدستور وبدونها فإن الحركات الطائفية والمذهبية ستربك كل الحسابات، وتفتح الباب لقوى خارجية في لبننة هذا البلد الصغير.
إن محاولات سحب البساط من تحت أقدام صناع الاستقلال والدستور والتحرير ليس في مصلحة أحد، وسيأتي الوقت الذي تكون فيه الكويت في مؤخرة ركب دول مجلس التعاون الخليجي، فالإمارات يدور فيها حوار السعادة، وسلطنة عُمان لا تتباطأ فيها النهضة وفقا لأسعار النفط.
لا أدعو لأي صورة من صور الاستبداد، معاذ الله، لكنني أضع علامات تعجب واستفهام تنضوي تحت الإجابة الوحيدة التي نعرفها جميعا: لماذا تــَــقدَّم الجيران ، وتأخرت الكويت وهي التي يحكمها عشاق الحرية والثقافة والوطن من آل الصباح الكرام؟
السلطة التشريعية ليست هي مجلس الأمة فقط، إنما الكويت كلها فلا تنتقصوا، أيها الكويتيون، من قدر السلطة التنفيذية.
لابد أن يكون هناك مؤتمر كويتي داخلي يجمع المثقفين والسياسيين والخبراء والوزراء لمناقشة موضوع تدخل الناطقين باسم السماء للسيطرة على مسيرة أبناء الوطن، ومعرفة الأسباب التي جعلت دولة الإمارات وسلطنة عُمان في المقدمة!
إذا لم تسابق الكويت الريح فسيسبقها جيرانها بسنوات ضوئية!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 20 مارس 2016
في الإمارات يتم تعيين وزيرة في الثانية والعشرين من عُمرها، وفي الكويت تصرخ القوى الدينية مطالبة بأولوية الذكور على الإناث.
في الكويت تتركز السلطات في مجلس الأمة رغم أن السلطة التنفيذية الممثلة في آل الصباح الكرام هي التي يلتف حولها الشعب، وهي التي تقود حركة النهضة وتحافظ على الدستور وبدونها فإن الحركات الطائفية والمذهبية ستربك كل الحسابات، وتفتح الباب لقوى خارجية في لبننة هذا البلد الصغير.
إن محاولات سحب البساط من تحت أقدام صناع الاستقلال والدستور والتحرير ليس في مصلحة أحد، وسيأتي الوقت الذي تكون فيه الكويت في مؤخرة ركب دول مجلس التعاون الخليجي، فالإمارات يدور فيها حوار السعادة، وسلطنة عُمان لا تتباطأ فيها النهضة وفقا لأسعار النفط.
لا أدعو لأي صورة من صور الاستبداد، معاذ الله، لكنني أضع علامات تعجب واستفهام تنضوي تحت الإجابة الوحيدة التي نعرفها جميعا: لماذا تــَــقدَّم الجيران ، وتأخرت الكويت وهي التي يحكمها عشاق الحرية والثقافة والوطن من آل الصباح الكرام؟
السلطة التشريعية ليست هي مجلس الأمة فقط، إنما الكويت كلها فلا تنتقصوا، أيها الكويتيون، من قدر السلطة التنفيذية.
لابد أن يكون هناك مؤتمر كويتي داخلي يجمع المثقفين والسياسيين والخبراء والوزراء لمناقشة موضوع تدخل الناطقين باسم السماء للسيطرة على مسيرة أبناء الوطن، ومعرفة الأسباب التي جعلت دولة الإمارات وسلطنة عُمان في المقدمة!
إذا لم تسابق الكويت الريح فسيسبقها جيرانها بسنوات ضوئية!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 20 مارس 2016